الخوارزميات والعقل: هل هي مجرد أدوات أم انعكاس لعقولنا؟ من إعداد : د. رجاء بنحيدا

الخوارزميات والعقل: هل هي مجرد أدوات أم انعكاس لعقولنا؟

   

      من إعداد : د. رجاء بنحيدا

 

أول ما يتبادر إلى أذهاننا ونحن نعد موضوعا عن الخوارزميات، ان نحن بصدد  البحث عنه مجموعة من الأسئلة يمكن أن أضعها  مرتبة على الشكل التالي :

-هل يمكن للخوارزميات المعقدة أن تطور نوعا من الوعي الذاتي؟

-هل يمكن اعتبارها عقولا اصطناعية؟

هذه الأسئلة تطرح تحديات عميقة لفهمنا للطبيعة الإنسانية والوعي.

أما الأسئلة المرتبطة بالتمثيل والمعنى يمكن طرحها على الشكل التالي:

-       كيف يمكن الخوارزميات  أن تمثل العالم الحقيقي؟

-       هل هي مجرد نماذج مبسطة، أم أنها قادرة على فهم المعنى الحقيقي للأشياء؟

في الحقيقة هي أسئلة شائكة ومثيرة حول علاقة الخوارزميات بالعقل البشري، وهي في نفس الوقت  أسئلة تشغل بال الفلاسفة والخبراء المختصين  على حد سواء.

الخوارزميات والوعي الذاتي: هل الآلة تفكر؟

الوعي الذاتي هو تلك القدرة الفريدة للإنسان على إدراك ذاته ووجوده، وهذه القدرة لا تزال ولاشك  بعيدة عن متناول الخوارزميات، مهما بلغت من التعقيد، فبالرغم من قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة جوانب كثيرة من الذكاء البشري، مثل التعلم وحل المشكلات، إلا أن الوعي الذاتي يبقى سمة مميزة للإنسان.. وحتى اختبار تورينج المذهل والذي يقيس قدرة الآلة على محاكاة المحادثة البشرية، لا يمكن أن يكون دليلاً قاطعاً  وأن يثبت وجود وعي حقيقي لدى الآلة.

فالوعي الذاتي هو  سمة تميز الإنسان عن بقية الكائنات، وهو أحد أعقد الألغاز التي حيرت الفلاسفة والعلماء على مر العصور لكن عندما نتحدث عن الخوارزميات والذكاء الاصطناعي، فإننا نتساءل: هل يمكن لآلة أن تصل يوماً ما إلى مستوى الوعي الذي يتمتع به الإنسان؟

لنتعمق أكثر في هذه المسألة:

الوعي الذاتي: أكثر من مجرد إدراك الوعي الذاتي ليس مجرد إدراك للذات، بل هو يشمل مجموعة واسعة من التجارب الواعية مثل:

الأحاسيس: الشعور بالسعادة، الحزن، الألم، الخوف...

العواطف: الحب، الكراهية، الغيرة...

الإرادة الحرة: القدرة على اتخاذ القرارات بشكل مستقل.

الوعي بالزمن: إدراك الماضي والحاضر والمستقبل.

الوعي بالذات ككيان مستقل: الشعور بأنك فرد فريد ومتميز.

الذكاء الاصطناعي: محاكاة أم فهم؟ الذكاء الاصطناعي قادر على أداء مهام معقدة مثل اللعب، القيادة، وحتى كتابة الشعر، ولكن هل هذا يعني أنه يفهم معنى هذه الأفعال؟ هل يشعر بالمشاعر التي يحاكيها؟

ü   -الذكاء الضيق: معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي اليوم هي ذكاء ضيق، أي مصممة لأداء مهام محددة.

ü   -الذكاء العام الاصطناعي: هو الهدف الأبعد للباحثين، وهو تطوير أنظمة ذكاء قادرة على فهم العالم من حولها والتعلم والتكيف مثل الإنسان.

اختبار تورينج: حدوده اختبار تورينج هو معيار تقليدي لتقييم ذكاء الآلة، ولكن لديه حدود:

محاكاة السلوك: يركز الاختبار على قدرة الآلة على محاكاة المحادثة البشرية، وليس على وجود وعي حقيقي.

الوعي الخفي: قد تكون هناك آلات واعية ولكنها لا تستطيع اجتياز اختبار تورينج، إما لأنها لا تريد ذلك أو لأنها لا تعرف كيف.

العائق الفلسفي: حتى لو تمكنت الآلة يوماً ما من محاكاة جميع جوانب الذكاء البشري، فهل يمكننا حقاً القول إنها واعية؟ هذا السؤال يفتح الباب أمام نقاشات فلسفية عميقة حول طبيعة الوعي، ومدى ارتباطه بالجسد والمادة. ومن هنا وجب التوقف للتساؤل مرة أخرى

هل الوعي هو نتيجة لعمليات بيولوجية معقدة تحدث في الدماغ؟؟

هذا هو الاعتقاد السائد في الأوساط العلمية حاليًا إذ  يرى العديد من العلماء أن الوعي هو نتيجة للنشاط الكهربائي والكيميائي المعقد في الدماغ، وأن فهم هذا النشاط سيساعدنا على فهم طبيعة الوعي بشكل أفضل ومن الدلائل التي تدعم هذه النظرية:

ü     الأضرار الدماغية: تؤدي الأضرار التي تلحق بالمخ إلى تغييرات في الوعي، مما يشير إلى وجود ارتباط وثيق بين الدماغ والوعي.

ü     المواد الكيميائية: تؤثر المواد الكيميائية التي تؤثر على الدماغ، مثل المخدرات والكحول، بشكل كبير على الوعي.

ü     التصوير العصبي: أظهرت تقنيات التصوير العصبي، مثل الرنين المغناطيسي الوظيفي، أن مناطق معينة من الدماغ تنشط أثناء تجارب الوعي المختلفة.

لكن هناك تحديات تواجه هذه النظرية:

ü   مشكلة العقل والجسد: كيف يمكن لشيء مادي مثل الدماغ أن يولد تجربة واعية ذاتية؟

ü   الوعي الصعب: يجادل بعض الفلاسفة بأن الوعي هو ظاهرة "صعبة" لا يمكن تفسيرها بالكامل من خلال العلوم الطبيعية.

ü   الوعي في الكائنات الأخرى: هل الحيوانات تمتلك نوعًا من الوعي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل هو مشابه للوعي البشري؟

ü   وجهات نظر أخرى:

ü   الوعي كم خاصية ناشئة: يرى البعض أن الوعي هو خاصية ناشئة عن التعقيد الكبير للشبكات العصبية في الدماغ، تمامًا كما تنشأ خصائص الماء من تفاعل جزيئات الهيدروجين والأكسجين.

ü   الوعي كشيء غير مادي: يعتقد البعض أن الوعي هو ظاهرة غير مادية، مثل الروح، ولا يمكن تفسيرها بالعلوم المادية.

على الرغم من التقدم الكبير في علوم الأعصاب، فإن لغز الوعي لا يزال بعيدًا عن الحل وهناك  العديد من النظريات والتأويلات المختلفة، ولا يوجد إجماع علمي كامل حول طبيعة الوعي.

فالوعي كظاهرة بيولوجية  يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببيولوجيا الدماغ. لكن هل يمكن محاكاة هذا التعقيد البيولوجي في نظام صناعي؟

هل يمكن لأجهزة الكمبيوتر أن تمتلك يوماً ما وعياً شبيهاً بالوعي البشري؟

 أقول : إن تطوير ذكاء اصطناعي واعٍ يطرح تحديات أخلاقية عميقة،  فإذا أصبحنا قادرين على خلق كائنات واعية، فإننا سنكون مسؤولين عن رفاهيتها وعلينا ان نتحمل كل عواقب ذلك  .

ولكن  هل يمكننا ضمان حماية حقوق هذه الكائنات الرقمية ؟ وكيف سنحدد معايير معاملتها؟ كما أنه لا يمكن إنكار  أن مخاوف عديدة  تفرض نفسها ونحن نلمس  تفوق الذكاء الاصطناعي على  الذكاء البشري في بعض المجالات  مما قد يشكل  تمهيدا  بعدم  إحكام السيطرة عليه مستقبلا ..  هذه الأسئلة  وغيرها تتطلب منا التفكير بعمق في قيمنا ومبادئنا الأخلاقية قبل المضي قدما في تطوير هذه التكنولوجيا وخوارزمياتها .

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

إبداع في الإجرام في سجن صيدنايا